الجمعة، 31 أكتوبر 2008

قراءة فى اوراق التمييز

بقلم / كمال زاخر موسى
إستعرضنا فى الجزء الأول من هذا المقال تاريخية إشكالية بناء الكنائس ، والتى تمتد جذورها إلى فرمان عثمانى صدر عام 1856م ينظم حقوق الأقليات فى الإمبراطورية العثمانية ، والذى استند إليه العزبى باشا وكيل وزارة الداخلية فأصدر قراره ـ عام 1934م ـ بشأن الشروط الواجب توافرها للموافقة على إصدار ترخيص ببناء كنيسة جديدة ، رغم أن ذاك الفرمان لا يسرى على مصر لأنها وفقاً لإتفاقية لندن ـ 1840م ـ كانت قد حصلت على إستقلالها الذاتى عن الإمبرطورية العثمانية ، ولم يعد للأخيرة ولاية عليها ، وبداهة لم يكن ذاك الفرمان واحداً من قوانين الدولة المصرية ، أو حتى ضمن موروثها القانونى. ويكشف القرار عن خلفية متطرفة أنتجتها سنوات مضطربة بعد أن ألغى إسماعيل صدقى دستور 23 وأغلق البرلمان وأصدر دستور 30 والذى يُجمع الفقهاء الدستوريين والسياسيين على أنه أسوأ دستور شهدته البلاد وقد عصف بالحريات وكرس الإستبداد والذى يتسق وهوى الملك فؤاد الأول وقتها ، ونكتشف فى إستقراء التاريخ أن التطرف والإستبداد صنوان لا يفترقان بل يساند أحدهما الآخر ولا نعرف أيهما يولد الآخر . ولعل القارئ يكتشف بغير عناء أن شروط العزبى تقترب من التعجيز على طريقة البخيل الذى جاءه ضيف فقدم له بعضاً من الأرغفة عن إضطرار وقال له تفضل وكل على شرط " سليم لا تكسر ، ومكسور لا تأكل " هكذا تفتق ذهن العزبى باشا ، إذ يسأل عن نوع الأرض المزمع البناء عليها بين أن تكون فضاءً أم زراعية، وعن مدى قربها عن المساجد والأضرحة ، وبيان موقعها من مساكن المسلمين وهى أسئلة تعنى رفض التصريح بها حال كونها زراعية أو بالقرب من الاضرحة والمساجد أو بين مساكن المسلمين، وليقل لى أحدكم أين يمكن العثور على أرض فى طول البلاد وعرضها يمكن أن تفلت من واحدة أو أكثر من هذه الأسئلة ، وتحكى لنا الوقائع المعاشة والمتكررة ، أنه عندما يتم تقديم طلب التصريح يسارع البعض ببناء مسجد على عجل بالقرب من الموقع إن لم يكن أمامه مباشرة ، فيتحقق أحد الموانع القانونية ، ويبدو أن تلك الذهنية المتربصة هالها أن توجد أرض أفلتت من تلك الشروط المجحفة ، فراحت تسأل عن استطلاع رأى مسلمى الناحية عن مدى تضررهم من بناء كنيسة (!!) وهل لا يوجد مانع لديهم ؟ ، ياسبحان الله أليس هذا النص هو الذى أعطى الحق أن يقوم البعض من غير المسئولين ليمنع بيده بناء أى مبنى يشاع أنه كنيسة ، وهو ما شاهدناه فى أكثر من قرية وأبرزها قرية بمها مركز العياط محافظة الجيزة ، وقد يكون أقل عنفاً فيسارع بإبلاغ الجهات الأمنية لتسارع الى الموقع لتمنع جريمة البناء قبل أن تكتمل. وإمعاناً فى الحصار لابد من التأكد من خلو البلدة من كنيسة أخرى ، بل وفى البلاد ـ أو الأحياء ـ المجاورة من باب الإحتياط ، وهل فعلاً الأقباط الموجودين بحاجة حقيقية لكنيسة ، ويبدو أن صاحب القرار يشفق عليهم من مصاريف بغير عائد حقيقى ولا فائدة فأراد أن يرشد إنفاقهم ، ويبدو أن للكنائس استخدامات أخرى أو لهم فيها مآرب أخرى لم يسبر الباشا غورها . ولما كانت القرى والنجوع ـ نحو 4000 قرية ـ تمثل مقارنة بالمدن الكثافة الأعلى أورد القرار سؤالاً لا مهرب منه عن قرب الموقع من مجارى النهر بل والترع والمصارف والمنافع العامة بمصلحة الرى ، فإذا كانت كذلك فلابد من موافقة مصلحة الرى ، ويتكرر الأمر مع السكك الحديدية ، والذى لم أفهمه حكاية السؤال عن وجود محلات عمومية بجوار الموقع ، ما المعنى بتلك المحلات العمومية ، كافيتريا مثلاً أم بنك أم مقهى أم نادى رياضى أم ملهى ليلى ، أم ماذا ؟! .ألم أقل لكم " سليم لا تكسر ومكسور لا تأكل " !! ربما كان من الممكن أن نجد مخرجاً من تلك الشروط يوم أن كانت مصر خارج زمام الإحتقان الطائفى ، لكننا نتحدث عن مناخ مخترق طائفياً وغارق فى حمأة التطرف ، فهل نترك الأمور تجرى بهذا الشكل المتعسف ؟ وهل يكفى أن ولاة الأمور يتفهمون مأزق الأقباط فيغضون البصر عن مخالفة تلك الشروط حيناً ، الأمر لا يستقيم طالما هو مرتهن بإرادة شخوص قابلين للتغير وللتغيير ، ولا يستقيم فى دولة مدنية تحتكم للدستور ويقوم نظامها على المواطنة بحسب نص المادة الأولى من دستورها ، ألم يحن الوقت لمراجعة تلك القرارات وتقويمها فى ضوء قيم وضرورات المواطنة ؟ ، القرار الوزارى يعدل بقرار وزارى أو بتشريع أعلى ـ قانون يسنه البربمان ـ لكن يبدو أننا بحاجة إلى إمتلاك الرغبة فى مواجهة إشكالياتنا بشكل جدى وموضوعى وعلى كل المستويات ، فهل تتوفر لنا الإرادة ؟! Kamal_zakher@hotmail.com

ليست هناك تعليقات: