الجمعة، 29 أغسطس 2008

رحلتى مع دموع الاقباط

صموئيل بولس عبد المسيح


بمناسبة مرور 20 سنة على تكريسي في خدمة الحالات الخاصة وقد بذل أبي الروحي مجهودات للاتصال بالمسئولين لعرض مشاكل أمثال هذه الحالات المظلومة من خلال تكليف الرئاسة الكنسية لقدسه بلقاءات دورية مع شخصية أمنية كبيرة( من أمن الدولة) لبحث سبل علاج هذه المشاكل، وعلى ما أذكر قال له قدس أبونا: إنَّ الكنيسة تعتبر كل المرتدين العائدين هم أبناؤها وبناتها، وتقبل عودتهم، وتمنحهم شهادات عودة وتعترف بمسيحتهم، وتطالب الدولة بتركهم وشأنهم وعدم ملاحقتهم لنص الدستور على الحرية الدينية وحق العبادة، مع تعهد الكنيسة بإرشادهم الابتعاد عن المشاكل وعدم اثارة المسلمين أو ابلاغهم بتركهم الإسلام، والعيش بعيداً في هدوء وسلام. وكانت أحياناً تحدث حلول حكومية جزئية، أو مؤقتة، ولكن سرعان ما ترجع ريما لعادتها القديمة؟ + وأما السادة الآباء الكهنة الأفاضل، فكانوا عاملين بالمثل القائل: ( الباب اللي يجي لك منه ريح سده واستريح)!! ويرددون كلمات من عينة:( احنا مش قد الناس دول)،( احنا عاوزين نعيش في سلام)،(خلوونا في حالنا) (نمشي جنب الحيط أحسن حتى لا يبيدونا)،( احنا معندناش حد يقدر يتفاهم معاهم)،( طيب واحنا في أيدينا إيه علشان نعمله)؟! إلى آخر هذه الكلمات، مع وجود بعض الاستثناءات القليلة من الآباء الرعاة الأمناء المستعدين لبذل حياتهم من أجل الحفاظ على رعية المسيح، دون خوف، وكانوا يشجعوني، ويطيبون خاطري، ويعرضون علي مساهمتهم في حل هذه المشاكل في نطاق قدرتهم ، مثل الارشاد الروحي، والرعاية الاجتماعية، والصلاة من أجل هؤلاء المظلومين لينصفهم الرب. + أما عن استعادة الأطفال الذين تم اختطافهم لأسلمتهم، أو البحث عن البنات المختطفات أو المتغيبات..
أو محاسبة المسئولين والشيوخ المتورطين في ايذاء شعبنا، فكلها أمور تخرج عن نطاق عمل الكاهن. + فصرت أنا الشاب الصغير المسكين وحيداً في وجه المدفع، لأني أول من يتلقى هذه الشكاوي، وأول من يكتوي قلبه بدموع وآهات شعبه.. وكانت الناس تلاحقني ليل نهار: + عملت إيه في موضوعنا يا أخ صموئيل؟! + هل عرفت مكان احتجاز ابني أو ابنتي يا أخ صموئيل؟! + هل اتفقت مع موظف السجل المدني ليصحح خطأه في خانة الديانة؟ + هل قدرت تجيب وساطة لنقل ابني المجند من وحدته لوحدة ثانية؟ وهل وهل وهل.. حتى وقفت أمامهم حائراً عاجزاً غير قادر على ايجاد حلول لمشاكلهم الصعبة والمعقدة والمتشعبة. وكنت أبكي عجزي وضعفي وقلة حيلتي وانعدام امكانياتي.. وصرت أسير في الشوارع والطرقات هائماً على وجهي، متفكراً في كيفية ايجاد حلول لكل هذه المشاكل، أو قل المآسي، وكاجراء احترازي كنت أنقل أطفالي وبناتي المعرضين للاستهداف من المتطرفين، إلى أماكن آمنة، وبطريقة شبيهة بما تفعله القطة مع صغارها لحمايتهم من الخطر، وبأساليب فردية تماماً، وكان قلبي متفحم بنيران الحسرة على قسوة إخوتنا المسلمين على ضعفاء شعبنا، وكنت في البداية أظن أنَّ مشاكل الأقباط هي مجرد مشاكل متوقعة من الإرهابيين والمتطرفين فقط، نظراً لجهلهم وتخلفهم وعنفهم وإجرامهم ومعاداتهم الطبيعية لكل من يختلف عنهم في التوجه، فكم وكم في الدين نفسه، كالأقباط المسيحيين. وكان هؤلاء المجرمين قد استقوا منهجهم الإرهابي المتطرف من كتبهم التراثية السوداوية من عينة ابن تيمية بتفسير وتلقيح من الإرهابيين المصريين المحدثين، أمثال حسن البنا، وسيد قطب، وعمر عبد الرحمن، ومحمد عبد السلام فرج، وبقية الذئاب المفترسة الذين ولدوا من رحم الإسلام المصري شديد التطرف والتعصب.. فإذا بي أرى أنَّ مشاكلهم تتعلق بتعصب وعدوانية الكثيرين من المسلمين المصريين العاديين أنفسهم؟؟؟
فكل الشكاوي المقدمة من الأقباط المتضررين من التطرف الإسلامي في مصر لم تكن تقتصر على تطرف وعنف الجماعات الإسلامية الإرهابية فقط، بل وكانت تشمل أيضاً تطرف عناصر داخل الأجهزة الحكومية نفسها، وخصوصاً أجهزة الأمن التي أصبحت خصماً للكنيسة وللاقباط، وتشمل كذلك فئات من الشعب المسلم العادي نفسه، رغم أنَّ مساحة الاعتدال الإسلامي في الشارع المصري آنذاك كانت لا تزال كبيرة بالمقارنة لِما هو حادث الآن، وأنا عن نفسي كانت لدي علاقات صداقة مع كثيرين منهم، لكن التطرف الوهابي الوافد من السعودية كان قد بدأ يتوغل في قلب الشارع المصري، فنتج عنه حدوث مثل هذه المشاكل من مسلمين عاديين، ومع كثرة البلاغات من تطرف رجل الشارع العادي ضد المسيحيين، كادت أن تتلاشى الفوارق بين الإسلاميين الإرهابيين، وبين المسلمين العاديين، وكثيرون منهم ناس طيبون، لكنهم مخدوعين بتحريضات شيوخ التطرف بل ووصل التطرف الديني إلى المجرمين الجنائيين أنفسهم! + تخيلوا مثلاً، وصلتني شكوى من سجين قبطي محكوم عليه في قضية قتل خطأ في حادث مروري، يشكو لي فيها قيام بلطجي مسجل خطر مسجون معه ويتولى رئاسة عنبر الحبس، باضطهاده دينياً داخل السجن! * طيب دا مجرم وحرامي وقاطع طريق ، ماله هو ومال التطرف الديني الإسلامي؟ بل وتلقيت بلاغ من أخصائية إجتماعية مسيحية يفيد بوجود طفل مسيحي مشرد عمره 11 سنة داخل إصلاحية المرج للأحداث، وأنه يتعرض لاضطهادات من ولد جانح عمره 15 سنة!!! وبزيارتي للولد، اشتكى لي بدموع حارقة قيام هذا الولد بضربه بعنف بعدما رأى الصليب في يده ودايماً ما يشتمه بدينه ويقول له: يا صليب الكلب!!! * طيب دا اصلحجي ونشال ، ما له هو ومال التطرف الإسلامي؟ وبالإجمال، فقد كان الوضع تحت السطح سيئاً للغاية، رغم أنَّ المسلمين المصريين كما ذكرت لم يكونوا قد توحشوا بهذا الشكل البشع الذي نراه الآن، وكانت البلد بشكل عام أفضل حالاً في التسامح عما هي فيه حالياً، لكن كل هذه الايجابيات لم تمنع حدوث كل هذه التجاوزات الخطرة، وقد نصحني البعض بالتراجع عن القيام بهذه الخدمة حرصاً على سلامتي، خصوصاً وأنَّ لدي مشاكل متعلقة بهويتي السابقة..
لكني اعتبرت أنَّ هروبي من هذه الخدمة إنَّما هو هروب من المسيح نفسه، لذلك أصررت على البقاء في هذه الخدمة الرجولية، ومحاولة مساعدة الفئات المظلومة من شعبي، والتخفيف عنهم، ومواجهة ظالميهم مهما كان الثمن، لكن لم أكن أعرف كيف أتمكن من مواجهتهم. + حتى طلب مني أحد الإخوة الخدام مساعدته في البحث له عن شقة بسعر مناسب باعتباري أعرف الكثير من سماسرة الشقق، فوجدت شقة في منطقة هادئة داخل عمارة يملكها مقاول مسلم ابن بلد ومجدع ولا يزال متعلقاً بأخلاقيات الحارة المصرية قبل أن يدنسها دعاة الإسلام الوهابي المتطرف الوافد من السعودية، وكان مرشح نفسه لمجلس الشعب، وعندما عرف أنني خادم في الكنيسة رحب بي ترحيباً كبيراً وقال لي أنتم زينة مصر وحلاوتها، وأنتم إخوتنا، وأنتم الذوق والأدب والأخلاق والأمانة! مما شجعني على الحديث معه عن مأساة شعبي، فقال لي أنتم السبب لأنكم مؤدبين زيادة عن اللزوم !
يعني لما تعرفوا واحد صايع خاطف بنت من عندكم لازم تأدبوه، لأنَّ الذي لا يدافع عن شرفه وعرضه يكون هافية وملطشة. دافعوا عن حقوقكم، واتكلموا، واتعلموا إزاي تتعاملوا مع الصيع والبلطجية، وكلنا معاكم، علشان هما اللي بيشوهوه ديننا .. فأضربوهم يختشوا منكم، لكن هتخافوا منهم هايركبوكم ! فقررت مواجهة هؤلاء البلطجية انطلاقاً من أخلاق الحارة المصرية حيث الشهامة والمرءوة ونجدة الضعيف والمظلوم.

ليست هناك تعليقات: